إعداد
ا.د. ريهام باهي
أستاذ العلاقات الدولية
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة
مقدمة
تستضيف مصر في الفترة من ٧ إلى ١٨ نوفمبر الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وجاء قرار مصر بتنظيم المؤتمر كدليل على إيمان مصر بقضية المناخ على المستوى الوطني والدولي وعن الالتزام السياسي المصري نحو ملف تغير المناخ. وتعد مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية، رغم أنها من أقل دول العالم إسهاما في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمي، بنسبة 0.6 % من إجمالي انبعاثات العالم. وأطلقت مصر في مايو ٢٠٢٢ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050 للتصدي بفعالية لتداعيات تغير المناخ. وبصفتها البلد المضيف، تمثل مصر مصالح الدول النامية الأكثر هشاشة أمام التحديات المناخية. وظهر في الآونة الأخيرة مصطلح العدالة المناخية ضمن أولويات العمل المناخي والتنموي.، والذي يمزج بين حقوق الإنسان وتغير المناخ. وأصبحت قضية العدالة المناخية مطروحة بشدة على الأجندة الدولية. وفي إطار تفعيل العدالة المناخية تؤكد استراتيجية مصر للمناخ على أهمية تعزيز دور المجتمع المدني في مشروعات حماية البيئة والتنمية المستدامة، وفي هذا السياق يأتي اهتمام منتدى حوار الثقافات التابع للهيئة القبطية الإنجيلية بقضية تغير المناخ والعدالة البيئية والسلام البيئي.
منتدى حوار الثقافات
يمثل منتدى حوار الثقافات إحدى وحدات الهيئة القبطية الإنجيلية التي تأسست عام 1992 بهدف تناول قضايا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتنمية الثقافية وتحديدًا فيما يتعلق بنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل، العيش المشترك، وغيرها من القيم والمبادئ التي تحقق السلام الاجتماعي وتصونه. وقد استهدف المنتدى فئات عديدة من المجتمع من توجهات فكرية وأجيال ومواقع جغرافية متعددة. ومنذ إنشائه، اتسم عمل المنتدى بدرجة عالية من الحيوية الفكرية على مستوى تنفيذ الأنشطة المرتبطة بالمشاريع والبرامج من أجل تحقيق الهدف الأساسي للمنتدى والذي هو: تدعيم ثقافة الحوار والتعدُّدية والتنوُّع والمساواة وقبول الآخر بين فئات المجتمع المتنوعة والمساهمة في إيجاد مناخ صحي من التفاعل والتفاهم ودفع عملية التنوير، والتشجيع على الانخراط في الحياة العامة وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمواطنة، والعمل الجماعي بين أفراد المجتمع، بما يعزز التعايش الإيجابي، ويساعد على مواجهة الانعزالية وخطابات الكراهية. ويستهدف المنتدى العديد من الفئات كالمثقفين وصناع الرأي، القيادات الوسيطة من شباب القادة الدينيين والإعلاميين والأكاديميين وممثلي المجتمع المدني، من خلال استراتيجيات وبرامج متنوعة كبناء القدرات والدعوة وكسب التأييد والعمل مع الشركاء بالمجتمعات المحلية وأيضا العمل على المستوى العربي والدولي.
المواطنة وحقوق الإنسان والمواطنة البيئية
استهدفت أنشطة المنتدى بناء قدرات فئات المجتمع المختلفة في ١١ محافظة من أجل تعزيز مجموعة من القيم مثل الحوار والمواطنة وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي والتسامح والانتماء بين قادة المجتمع من الإعلاميين والأكاديميين وممثلي الجمعيات الأهلية والقيادات الدينية. وتم إدماج مفهوم المواطنة البيئية في أنشطة المنتدى المتعلقة بتعزيز مفهوم المواطنة. ويعني مفهوم “المواطنة البيئية” والتي تعني أن “يكون المواطن متحمساً وواعياً بالقضايا البيئية ذات الأهمية، ومستوعباً لأهم مسائلها ومتحفزاً لصون مكان عيشه والاهتمام بصحة كوكبه وملتزماً بالحفاظ عليه، وهذا ما يدفعه إلى المشاركة الفاعلة والمسؤولة تجاه قضايا البيئة ذات الأولوية في مجتمعه من أجل التصدي لكافة التحديات التي تواجه أجيال الحاضر وأجيال المستقبل”. فالمواطنة البيئية معنية بالسلوك الذي ينتهجه الفرد لحماية البيئة المحلية ومواردها الطبيعية وصونها من التلوث، بشكل يعكس معرفة ووعيا بندرة الموارد الطبيعية ومحدودية قدرتها على التجدد وأهمية الحفاظ عليها وتنميها باستدامة وتشجيع الأفراد والجماعات والمنظمات على التفكير في الحقوق والمسؤوليات البيئية والمشاركة الفعالة لتحقيق الاستدامة. وتهدف المواطنة البيئية إلى رفع مستوى المعرفة والثقافة البيئية بين المواطنين، وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات ووضع الحلول المناسبة للمشكلات البيئية ذات الأولوية، وإكساب المواطنين كافة المهارات اللازمة التي تساهم بشكلٍ فعال في الإصلاح البيئي وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين السلوك البيئي اليومي للمواطنين، بما يعزز صحة البيئة وحمايتها من كافة أشكال التلوث. تناولت أنشطة المنتدى العلاقة التفاعلية بين المواطنة والبيئة وربطها بحق المواطن أن يعيش حياة خضراء وسلوكه المسؤول تجاه البيئة ومساهمته في تحقيق مجتمع عادل والحفاظ على حقوق واحتياجات الأجيال القادمة. وفي هذا السياق تم عرض مفهوم “الحياد الكربوني”. هذا المفهوم يستند بالأساس على فكرة أن التغير المناخي المرتبط بزيادة انبعاث الكربون هو ناتج عن النشاط الإنساني. ويعني “الحياد الكربوني” توازن كمية انبعاثات الكربون مع كمية امتصاص الكربون والذي يتطلب خفض الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري. وسلطت الأنشطة الضوء على مؤشر “البصمة الكربونية” الذي يشير إلى أثر الأنشطة البشرية على البيئة وتغير المناخ من خلال قياس معدلات انبعاث غاز ثان أكسيد الكربون على مختلف المستويات مثل الأفراد والمصانع والمنتجات. ساهم المشاركون والمشاركات من خلال مجموعات عمل في مناقشة قضية إلى أي حد نحن مسؤولون كأفراد عن تغير المناخ ومدى أهمية ما يدفعه المواطن الفرد تجاه مكافحة تغير المناخ، ووضع مقترحات وأفكار لمبادرات مجتمعية من أجل تقليل البصمة الكربونية للفرد ومواجهة التحديات المناخية في المجتمع المحلي.
بناء السلام المجتمعي وقضايا المناخ
ويعتبر من أهم إسهامات منتدى حوار الثقافات في مجال مكافحة تغير المناخ الربط بين مفهوم “المواطنة البيئية” و “بناء السلام المجتمعي” في إطار أنشطة المنتدى التي تهدف إلى تمكين الجمعيات الأهلية وترسيخ قيم الحوار وبناء السلام في أنشطة الجمعيات والمبادرات المجتمعية. ويعني مفهوم “السلام البيئي” التعاون لحماية البيئة كمدخل لخلق المزيد من العلاقات السلمية بين الأفراد. ويمثل التعاون البيئي أحد المجالات التي تمكن الأفراد من تبني قيم الحوار. فالتحديات البيئية المشتركة تعد مدخلا مهما للتعاون المجتمعي من خلال توفير فرص للتعاون تتجاوز الخلافات السياسية والثقافية، والعقائدية، والنوعية، والعمرية. والقضايا البيئية تعود من القضايا التي تتمتع بحساسية أقل عند التناول مقارنة بالموضوعات الأخرى ذات الطبيعة السياسية أو الدينية. ويحفز التعاون البيئي على المزيد من الاندماج المجتمعي وحل الصراعات في سبيل بناء القدرة على التكيف والاستجابة للتحديات المناخية التي تواجه المجتمع.
ويسهم التعاون الإيجابي بشأن التحديات البيئية في بناء الثقة والتفاهم بين الفئات الاجتماعية، ويشار إلى هذه الديناميكية باسم “صنع السلام البيئي”. تولي الأبحاث العلمية أهمية خاصة لدراسة قدرة المجتمعات المحلية على إدارة الموارد الطبيعية والتخفيف من حدة الصراعات البيئية أو إدارتها من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ويهتم الباحثون بممارسات بناء السلام البيئي على المستوى المحلي من القاعدة إلى القمة، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا التي تهم الأمن الإنساني والتنمية المستدامة. هذا النهج التصاعدي (bottom- up) يعمل على نحو متزايد على تمكين المجتمعات المهمشة والضعيفة التي تفتقر إلى مقاعد على طاولات صنع القرار.
ويطرح البعض أهمية إضافة السلام كبعد رابع من أهدف التنمية المستدامة وتطوير نهج مراع للسلام يجعل التنمية المستدامة أكثر فعالية. ويأتي ذلك في سياق الارتباط المتزايد بين مخاطر المناخ والفقر والنزوح وغيرها من العوامل التي تؤثر على السلام. كما يربط الخبراء بين الضغوط على الموارد وبين الصراع. وقد أكد مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية (يونيو ٢٠٢٢) على أهمية الاستعداد “لمعالجة السلام والتنمية المستدامة بشكل مباشر أكثر لفهم الروابط بينها” وعلى أهمية الفهم الجيد للروابط بين “السلام والنزاع والتنمية المستدامة”. وتؤكد الأمم المتحدة على ضرورة الربط بين مبادرات حماية البيئة والإدماج المجتمعي والفرص الاقتصادية وبناء السلام، خاصة في أفريقيا، وعلى دور حوكمة تغير المناخ وإدارة الموارد الطبيعية كأداة للحد من النزاعات وتحقيق السلام.
منتدى حوار الثقافات: نشر الوعي البيئي وتعزيز العمل المجتمعي
وتناولت أنشطة المنتدى أيضا أهم التحديات البيئية العالمية والمصرية وألقت الضوء على الإدارة الدولية لقضية تغير المناخ من خلال عرض أهم الاتفاقيات والمؤتمرات في هذا الصدد، خاصة اتفاقية باريس للمناخ ٢٠١٥ ومؤتمرات الدول الأطراف (COP) وكذلك دور مصر الفاعل في مواجهة تغير المناخ دوليا وإقليميا وعرض الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠. وتتضمن خطة مصر لمواجهة التغيرات المناخية عدة محاور أهمها التعاون مع المجتمع الدولي في الحفاظ على نوعية البيئة، والحد من مسببات التغيرات المناخية، ورفع الوعي العام بالظاهرة وأبعادها وسبل التعامل معها، وتفعيل برامج مشاركة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.
ويؤكد منتدى حوار الثقافات على أهمية دور الجمعيات الأهلية في تنمية المواطنة البيئية وتأصيل مبدأ المواطن الرشيد الذي يراعي الاهتمامات البيئية ويحقق الشراكة بين الحكومة والمواطنين لتحقيق الاستدامة. ويعتبر دعم الجمعيات الأهلية من العوامل المساعدة على تفعيل المواطنة البيئية. وفي هذا الإطار تستهدف أنشطة منتدى حوار الثقافات بناء القدرات التي تؤهل الجمعيات الأهلية المشاركة في المشروع لتنفيذ مبادرات مجتمعية في إطار قيم وأهداف المشروع. هذه المبادرات تكشف عن مدى تبني المشاركين والمشاركات لأفكار عملية يمكن تطبيقها من أجل تفعيل المواطنة البيئية. تمنح المبادرات فرصة أسعى لتحقيق هدف المنتدى في الترويج لقيم الحوار ونبذ العنف وترسيخ منهج التنمية القاعدية من خلال خطط نابعة من احتياجات المجتمع المحلي يشارك في تصميمها وتنفيذها المجموعات الشبابية.
وقد قدمت إحدى الجمعيات المشاركة في أنشطة المنتدى- مبادرة بعنوان “حوار مع البيئة”، تهدف إلى التصدي للتحدي الأساسي الذي يواجه المجتمع المحلي هو “كيفية الحفاظ على موارد المجتمع من موارد طبيعية إلى موارد سياحية وثقافية في وجه تغيرات مناخية قد تعصف بتلك الموارد في أي لحظة ويؤدي ذلك إلى نشوب صراعات مجتمعية من أجل البقاء”. تعمل أنشطة مبادرة “حوار مع البيئة” على خلق مجتمع متماسك اجتماعي قادر علي تخطي الصعاب باستخدام آليات الحوار الإيجابي الفعال. وتشمل آليات تنفيذ المبادرة على التدريبات ومجموعات العمل، أنشطة رياضية، الزيارات الميدانية، الحملات. وذلك من أجل رفع وعي عدد 60 شابا وفتاة من المحافظة عن أهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية.
وتعد المبادرات المحلية أحد أهم أنشطة منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية. فهي الآلية التي يتم من خلالها الربط بين المحتوى الفكري للأنشطة المختلفة وبين الواقع المحلي من خلال خطط عمل متفق عليها ومعده بصورة تشاركية. بهدف نقل ثقافة الحوار إلى المجتمع من خلال برنامج تثقيفي أو مهاري أو اجتماعي يتسم بالإبداع والتحرر من النمطية والقدرة على النفاذ إلى عقل وفكر المجتمع. كما أن أهم ما يميز المبادرات هو قيام المشاركين في برامج وأنشطة المنتدى بتنفيذها مما يعني استجابتهم للقيم التي يعمل عليها المنتدى ويسعى لنشرها وترويجها ثم مشاركتهم في نقلها إلى المجتمع المحلي.
نماذج من أراء المشاركين في أنشطة منتدى حوار الثقافات
وفيما يلي عرض لبعض آراء ممثلي الجمعيات المشاركين في أنشطة المنتدى والتي تعبر عما أضافت إليهم الانشطة فيما يتعلق بموضوعات تغير المناخ والمواطنة البيئية والسلام البيئي.
- محمد شوقي: موضوع المواطنة كان موضوعاً جديداً بالنسبة لي، تعلمنا خلال التدريب الكثير عن المواطنة البيئية والبصمة الكربونية والنزاعات والخلافات التي تحدث بسبب نقص الموارد، واصبح لدينا بالجمعية حالياً برامج مخصصة لحل النزاعات التي تحدث بسبب التغيرات المناخية، حيث أن محافظة اسوان من المحافظات التي تتعرض للأمطار والسيول التي تؤثر على الناس وتعاملهم مع البيئة والطبيعة، وبالتالي نحاول من خلال جمعية صناع السلام نشر أفكار للمحافظة على البيئة وربط ذلك مع موضوعات السلام والحوار من خلال الأنشطة المختلفة سواء رياضية أو فنية وذلك بالتعاون مع الهيئة القبطية الإنجيلية.
- مي شوقي: استفدت من الورشة في معرفة مصطلحات لم أتعرض لها من قبل مثل البصمة الكربونية، والاحتباس الحراري الناجم عن الانبعاثات الكربونية، وايضاً تعرفت على اتفاقية كيوتو وكنت أتمنى لو تم تنفيذ هذه الاتفاقية.
- سارة عبد الظاهر: حضرت في شهر يونيو تدريب عن المواطنة البيئية تابع لمشروع التلاحم المجتمعي في القاهرة، عرفت من خلاله مصطلحات كتير كنت بسمعها بس فهمت منه معناها زي التنمية المستدامة وايه هي اهدافها 17 والتنمية الغير مستدامه، الحياد الكربوني والبصمة الكربونية، وكان في تاسك وقتها عن ايه المخاطر البيئة اللي ممكن تواجه اسوان وفكرنا ف حلول لتصدي لها او التقليل من أثرها سواء بالوعي او عن طريق اجراءات امنيه ، كانت تجربة جميلة واستفدت منها جدا وبشكر جميعة صناعة السلام والهيئة القبطية الإنجيلية على توفيرها الورشة والتنظيم.